سورة النحل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وهو نمرود بن كنعان، بنى الصرح ببابل ليصعد إلى السماء.
قال ابن عباس ووهب: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع.
وقال كعب ومقاتل: كان طوله فرسخين، فهبت ريح وألقت رأسه في البحر، وخر عليهم الباقي وهم تحته، ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل، وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية فذلك قوله تعالى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} أي: قصد تخريب بنيانهم من أصولها {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} يعني أعلى البيوت {مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} من مأمنهم. {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} يهينهم بالعذاب، {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} تخالفون المؤمنين فيهم، ما لهم لا يحضرونكم فيدفعون عنكم العذاب؟
وكسر نافع النون من {تشاقون} على الإضافة، والآخرون بفتحها.
{قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وهم المؤمنون {إِنَّ الْخِزْيَ} الهوان، {الْيَوْمَ وَالسُّوءَ} أي: العذاب، {عَلَى الْكَافِرِينَ} {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه، قرأ حمزة {يتوفاهم} بالياء وكذا ما بعده، {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بالكفر، ونصب على الحال أي: في حال كفرهم، {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي: استسلموا وانقادوا وقالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} شرك، فقال لهم الملائكة: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال عكرمة: عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر.


{فَادْخُلُوا} أي: قال لهم ادخلوا {أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} عن الإيمان.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء سأل الذين قعدوا على الطرق عنه، فيقولون: ساحر، كاهن، شاعر، كذاب، مجنون، ولو لم تلقه خير لك، فيقول السائل: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة فألقاه، فيدخل مكة فيرى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث. فذلك قوله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} يعني: أنزل خيرا.
ثم ابتدأ فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} كرامة من الله.
قال ابن عباس: هي تضعيف الأجر إلى العشر.
وقال الضحاك: هي النصر والفتح.
وقال مجاهد: هي الرزق الحسن.
{وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أي ولدار الحال الآخرة، {خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} قال الحسن: هي الدنيا؛ لأن أهل التقوى يتزودون فيها للآخرة. وقال أكثر المفسرين: هي الجنة، ثم فسرها فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} مؤمنين طاهرين من الشرك.
قال مجاهد: زاكية أفعالهم وأقوالهم.
وقيل: معناه: إن وفاتهم تقع طيبة سهلة. {يَقُولُونَ} يعني: الملائكة لهم، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} وقيل: يبلغونهم سلام الله، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.


قوله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} لقبض أرواحهم، {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يعني: يوم القيامة، وقيل: العذاب. {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: كفروا، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} بتعذيبه إياهم، {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} عقوبات كفرهم وأعمالهم الخبيثة، {وَحَاقَ بِهِمْ} نزل بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} يعني: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، فلولا أن الله رضيها لغَيَّر ذلك وهدانا إلى غيرها، {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: ليس إليهم الهداية إنما إليهم التبليغ. {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا} أي: كما بعثنا فيكم، {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وهو كل معبود من دون الله، {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ} أي: هداه الله إلى دينه، {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي: وجبت بالقضاء السابق حتى مات على كفره، {فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: مآل أمرهم، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8